|
...
Hespress
Hespress
1 week ago

النكبة في السينما المغربية.. نبيل عيوش يمنح الكلمة للضحايا و"حفدة الجلادين"

النكبة في السينما المغربية.. نبيل عيوش يمنح الكلمة للضحايا و

من الأفلام المغربية التي تناولت القضية الفلسطينية فيلم “أرضي” 2010 لنبيل عيوش. ذهب المخرج إلى مخيم للاجئين جنوب لبنان وصور عجائز وشيوخا فلسطينيين يعيشون منفيين هناك، يتذكرون ويحكون عن أماكن عيشهم في محيط مدينة حيفا لحظة مغادرتهم لها في 1948. صور المخرج هؤلاء المبعدين ضحايا النكبة يتحدثون بحرقة عن الأماكن التي عاشوا فيها منذ 52 سنة، ثم عبر الحدود صوْب شمال إسرائيل وبدأ يعرض حكايات مصورة لشبان إسرائيليين يعيشون في الأماكن نفسها التي لا يعرفون تاريخها، لكنها أماكن مازالت فيها بصمات الماضي جلية.

هكذا سطّر نبيل عيوش مقدمة إشكالية لفيلمه الوثائقي الجدلي، مبينا صلته بالموضوع، ومعلنا أنه يعتبر الإسرائيليين مضطهِدين والفلسطينيين مضطهَدين.

في الفيلم حوارات طويلة تمتد 80 دقيقة. خصص المخرج 8 دقائق للاجئين الفلسطينيين ثم خصص 40 دقيقة الموالية للإسرائيليين؛ قدم بضع دقائق للفلسطينيين ثم منح الكلمة للإسرائيليين.

تعرض الفيلم لانتقادات شديدة في المغرب حين صدوره لأنه أعطى الكلمة لمدة أطول لحفدة الجلادين، ولأنه اعتُبر تطبيعا ثقافيا. وفي تفسير هذا الميل يفترض أن العرب يعرفون موقف الفلسطينيين، والمطلوب معرفة رأي الإسرائيليين. كان الموضوع حساسا، وهو ما توقعه عيوش، ورد عليه في جوابه المضمن في مطلع الفيلم، حين شرح أن للعمل بعد شخصي بالنسبة إليه، فهو من أم يهودية وأب مسلم.

تاريخيا، تحتل المسألة الفلسطينية موقعا مركزيا في المشهد الثقافي المغربي، لكن سينمائيا ركزت الكثير من الأفلام المغربية على تناول الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، مع أفلام مثل “وداعا أمهات” 2007 من إخراج محمد إسماعيل، و”فين ماشي يا موشي” 2007 للمخرج حسن بنجلون، وفيلم “عايدة” 2015 من إخراج إدريس المريني، عن يهودية تعود من باريس لتموت في مسقط رأسها مدينة الصويرة المغربية.

صُورت هذه الأفلام في المغرب أساسا، لكن أفلاما أخرى وثائقية صورت في إسرائيل مثل “تنغير جيروزاليم: أصداء الملاح” 2014 من إخراج كمال هشكار. وفيلم “أرضي” لنبيل عيوش.

في فيلمه المبني جدليا عن شيوخ فلسطين وشبان إسرائيل يعقد عيوش تقابلا بين الماضي والحاضرعلى المكان نفسه: قرية سعسع الفلسطينية التي صار اسمها ساسا الإسرائيلية. يصادم السكان القدامى بالسكان الطارئين الذين يحبون المكان بشكل جنوني. لعرض موضوع الصراع تقوم الكاميرا مرارا بحركة “بان” لعرض الطبيعة الخلابة في المكان المحبوب من السكان الأصليين والوافدين.

منح نبيل عيوش الكلمة للطرفين ليتحاورا عن بعد. يشاهد الإسرائيليون الفلسطينيين على شاشة حاسوب. الفيلم وثيقة صوتية فيه وجوه تتكلم وتجيب عن أسئلة محددة:

هل تعرف هذا المكان؟

يجيب الشاب الإسرائيلي بثقة:

طبعا إنه مهد طفولتي.

يحكي مستوطن متصهين كيف يستولي على هضبة ويحرسها بالقوة هو وأصدقاؤه لكي لا تستردها الأسرة العربية البدوية… يتلقى سؤلا عن 1948 ويقفز ليجيب عن وقائع تعود لألفي سنة…يشعر المستوطن المؤدلج بثقة ويقين مقزز ولا تساوره أي شكوك ويستنجد بالشرطة لدعم تصوره، بينما يشعر شبان آخرون بالتردد في توصيف وتسمية ما جري…

تستدير الكاميرا لتعرض المكان وسلطته على الشخصيات… وهنا يرصد فيلم نبيل عيوش اختلاف ردود فعل الشبان الإسرائيليين، والجامع بينهم أنهم يفضلون عدم الحديث عن الموضوع. كل سؤال أو تعريف بالنسبة لهم فخ؛ الصمت يناسبهم، وهذه نقطة ضعفهم حين تبرز وثائق تعرض حال الأرض قبل استيلائهم عليها.

كانت الأدلة الحجرية قائمة تفضح الظلم الذي تعرض له ساكنو المكان سابقا، بينما تعتقد شابة إسرائيلية أن الماضي كان عادلا. كانت الشابة تتكلم باندفاع يثبت أن حكايات الماضي مزعجة.

إن الماضي ينغض أمان الحاضر… كانت تلك حال شابة تقلقها ضرورة تبرير وجودها هنا. شاب يبرر ما يجري في فلسطين بسبب ما فعلته ألمانيا النازية لجدته… شابة تعتبر الجيش الإسرائيلي مؤسسة لا أخلاقية…

يعرض الفيلم ذكريات مريرة من مخيم “عين الحلوة”. يتردد لفظ سجن مرارا في مداخلات الفلسطينيين. كلما عرف الشباب الإسرائيليون التفاصيل إلا وشعروا بالصدمة، حولوا نظراتهم بعيدا عن الكاميرا فرارا من المأزق. يزعم الشباب الإسرائيليون أن اللاجئين غالبا قد وجدوا مكانا آخر ليعيشوا فيه. بالنسبة للفلسطينيين المنفيين حين يسمعون مصطلح الوطن البديل يجيبون بتوتر وقناعة راسخة: “فلسطين لا تنسى ولا بديل لها”… بينما يستمع الشبان للشيوخ الفلسطينيين يسمع في الخلفية صوت الجرافات… ثم ينغلق باب أسود في وجه الكاميرا.

مع هكذا وضع منذ 70 سنة، كيف يستطيع الناس مكابدة الاستمرار في العيش بعد كل هذا الذي جرى ويجري؟

جاء الجواب من صوت محمود درويش: ونحن نحب الحياة.

من هذا الحب ولد واستمد الجرح الفلسطيني بقاءه مفتوحاً بعد 74 سنة. وفي كل المحطات فشل الرهان على استسلام الفلسطينيين، لأنه رهان مبني على قراءة غير واعية للتاريخ.

The post النكبة في السينما المغربية.. نبيل عيوش يمنح الكلمة للضحايا و"حفدة الجلادين" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.