|
...
Hespress
Hespress
4 days ago

قراءة في زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب

قراءة في زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب

قبل فترة ليست بالطويلة كانت العلاقات المغربية الإسبانية على صفيح ساخن، بسبب ما تم وصفه في ذلك الوقت، بالتدخل الإسباني في الشؤون المغربية الداخلية، وازدواجية المواقف الإسبانية تجاه قضية الصحراء المغربية، وهو ما تم رفضه جملة وتفصيلا من السياسية الخارجية للمغرب، بجميع هياكلها المؤسساتية، وهنا نتذكر الجملة الشهيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي أكد لإسبانيا أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، ولا قبول لازدواجية المواقف.

التفاصيل كانت كثيرة في حينها، وأبرزها إدخال زعيم البوليساريو للأراضي الإسبانية باسم مزور، لكن المغرب تعامل بحزم مع الموضوع، وطالب بشكل واضح وجلي، بتوضيح الموقف الإسباني تجاه القضية المغربية الأولى، بعيدا عن الازدواجية والكيل بمكيالين، وما يحسب للسياسة الإسبانية الخارجية في ذلك الوقت، هو اختيار حكيم لعدم التصعيد ضد المغرب، وتعبير إسبانيا عن احترامها للمغرب، وسعيها السريع لطي صفحة الخلاف، والنظر للمستقبل، وهو ما تم سريعا.

الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الاسبانية للمغرب، بمعية وفد ديبلوماسي وصحفي كبير ورفيع المستوى، في أول زيارة لدولة إفريقية بعد التعيين الجديد لرئيس الحكومة الإسبانية، كعرف تاريخي إسباني يؤكد على متانة العلاقات الإسبانية المغربية من جهة، ويجعلنا نقف أمام استراتيجية تواصلية وديبلوماسية حكيمة للمغرب في التعامل مع الأزمات، فالمغرب لا يصعد من أجل التصعيد، أو ليقول إن المغرب لا يحترم جيرانه أو مختلف الدول التي يتعامل معها وفقا للأعراف الديبلوماسية الدولية، وإنما يصعد عندما تكون هناك ضرورة حتمية للتصعيد، وفق استراتيجية تواصلية لا تتخلى عما يمكن أن نسميه “سياسة اليد الممدودة”، التي دائما ما تبقي مجالا للتواصل والتفاوض لإيجاد الحلول الممكنة لطي الأزمات والنظر للمستقبل، السياسة نفسها، يعتمدها المغرب منذ سنوات مع الجارة الشرقية الجزائر، وهو ما تم التعبير عنه في أكثر من خطاب ملكي.

هذه الاستراتيجية التواصلية الديبلوماسية في تدبير الأزمات، نجدها في عدة مواقف واضحة لأزمات المغرب مع الدول الخارجية، “الجزائر، إسبانيا، وفرنسا والاتحاد الأوروبي”، ومع الدول الأوروبية، نجد فهما وتقديرا لهذه الاستراتيجية التواصلية، ومحاولة من إسبانيا أو فرنسا أو الاتحاد الأوروبي لإيجاد الحلول الممكنة في إطار الاحترام المتبادل، الدولة الوحيدة التي لم يجد المغرب معها حلا، ولم تفلح هذه السياسة في بلوغ أهدافها معها، هي الجزائر الشقيقة، ببساطة لأن الطرف الثاني “الجزائر” ترفض النظر للمستقبل، ومازالت حبيسة معطيات تاريخية، من الممكن أن أخطاء وقعت فيها من هذا الطرف أو ذاك، لكن هل يجب أن نبقى في الماضي أو ننطلق من الحاضر نحو المستقبل؟ فالمغرب يؤكد أن المصالح الاستراتيجية للمنطقة المغاربية تفرض إصلاح العلاقة مع الجزائر، وأن المغرب والجزائر سيكونان أقوى باتحادهما، وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الثاني، لكن الجزائر، تعبر مرارا وتكرارا عن عدم تقديرها أو فهمها لقيمة سياسة اليد الممدودة وتفضل أن تترك يدها في جيبها عندما يمد المغرب يده للجزائر، أو تمدها لأعداء المغرب سواء على الحدود، أو للدول المعادية للمغرب، أو في دواليب الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.

إنك كمغربي أو كجزائري أو حتى لو كنت إسبانيا أو فرنسيا، ستجد نفسك مقدرا لهذه الاستراتيجية التواصلية للمغرب، لأنها ببساطة استراتيجية تبحث عن الحلول مع الاحترام التام لـ”الكاريزما والقيمة الاعتبارية لكل دولة ولكل طرف في أي أزمة”، ويكون الحوار والتفاوض والوضوح والشفافية والاحترام المتبادل مفاتيحها الأساسية، وتدفع الجميع للنظر للمستقبل، فأخيرا مثلا استقبلت زوجة الرئيس الفرنسي ماكرون وفدا ملكيا بتعليمات من الملك محمد السادس، وهو مؤشر على بداية مرحلة نهاية الأزمة مع فرنسا، لأن المصالح المتبادلة تفرض ذلك، لكن مع وضع قواعد واضحة للعمل المشترك، وهي القواعد نفسها التي يضعها المغرب في تعامله مع الجميع، وما أعلن عنه رئيس الحكومة الإسبانية في الندوة الصحفية بدار الضيافة بالقصر الملكي بالرباط، يؤكد النضج التواصلي للسياسية الخارجية الإسبانية وتفاعلها الإيجابي مع الإرادة السياسية المغربية الخارجية، واستراتيجية المغرب لتدبير الأزمات، ليكون التعاون عنوانا للمرحلة المقبلة في مختلف المجالات، ومن المؤكد أن هذه السياسة ستعود بالفضل على شعوب المنطقة، في انتظار أن تفهم أطراف أخرى أن “سياسة اليد الممدودة” لا تعبر عن ضعف المغرب من جهة، ولا تعبر عن عدم احترام المغرب لبقية أطراف أي أزمة من جهة أخرى، وهي أسلوب تواصلي كفيل بإيجاد الحلول السريعة لمختلف الأزمات، والنظر الحكيم للمستقبل الذي تفرض علينا تحدياته أن نكاتف جهودنا جميعا كدول من أجل تعزيز ظروف العيش الكريم للشعوب أينما كانت.

The post قراءة في زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.