استوقفنى سؤال طفلة صغيرة عندما سألتنى لماذا لا ترتدى الحيوانات ملابس مثلنا؟ ولماذا نراهم محاطين بالأسوار؟

أليس لهم حرية؟

سؤال بسيط من طفلة صغيرة أعتقد أنه لم يخطر على بال كثيرين.

وللإجابة عن سؤالها قلت لها أن الحيوان مسلوب الحرية والتفكير لا يستطيع أن يميز بين الخطأ والصواب، ولا يكترث إذا كان يرتدى ملابس أم لا، فالملابس التى يرتديها الإنسان دليل على حريته وتفكيره ودليل على تحضره، وهذا التفكير والعقل هو ما يميزنا عن سائر المخلوقات.

وعندها أجبت على سؤال كان يشغل خاطرى منذ فترة: ما قيمة بعض الملبس الذى يراه البعض أنه سلب لحرية المرأة وقيد لها وتخلف ورجعية… وكل هذه الأفكار التى نشأت من خلال الفهم الخاطئ لمفهوم الحرية وبسبب خلل فى التفكير.

فكما ترون منذ مئات السنين لم يعرف الإنسان شيئًا عن الملبس ثم مع تطوره وتفكيره بدأ يصنع ملابس بسيطة تغطى أجزاء منه ثم تطور أكثر وصنع ملابس كاملة تغطى جميع بدنه ثم استمر هذا الحال فى تصاعد إلى أن بدأ مجددًا فى الهبوط فبدأ يتراجع مفهوم الملبس الذى يستر جميع البدن إلى شئ بشع تنفر منه النفوس السليمة التى تريد أن تتحرر من غرائزها الحيوانية نتيجة بعض الأفكار الخاطئة الناشئة عن خلل في إدراك مفهوم الحرية والتمدن.

فمحاولة الفرض أو الإجبار سواء بالفعل أو القول والضغط وفرض رؤية ضيقة بذرائع تفتقد إلى المنطق بدعاوى الحرية هو فى حد ذاته سلبًا للحرية ومصادرة على الآخرين. فما هو مفهوم الحرية؟

هل مفهومها أن يسير الناس أحرارًا يستطيعون فعل أى شئ؟

أم هى أن يفعل الإنسان أى شئ أيًا كان ما دام يرضى نفسه حتى إن كان هذا الشئ ضد قيم مجتعه بصفة خاصة وضد الأخلاق بصفة عامة؟

والسؤال الأهم هل الحرية مطلقة أم مقيدة؟

وهل الحرية هى الغاية من الحياة؟

وهل هى كل ما نبحث عنه؟

وهل الحرية أن يفعل الناس ما يأمرهم به البعض ممن جانبهم الصواب لأنه من وجهة نظرهم أنه صحيح حتى لو كان عكس ذلك بالنسبة لهؤلاء الناس؟! .

إذا أخذنا الحرية بهذا المفهوم على أنها شئ مطلق وهى غاية الإنسان ويجب ألا يحكمها قانون ولا يقيدها دين أو قيم أو خلق فحينها ستكون الحياة التى نعيشها كالغابة يحكمها قانون واحد “البقاء للأقوى” فهو من يشرع و يفرض قانونه طبقا لمصلحته ولهذا لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة.

فالحرية ليست غاية وما هى إلا وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى فى حياة الإنسان وهو بحثه عن السعادة و سعيه إليها، وإذا كانت الحرية هكذا فمن المستحيل أن يحقق الإنسان هذه الغاية السامية لأن السعادة إن كانت فعل أى شئ يرضي الغرائز لن تكون هذه السعادة إلا سعادة مادية مؤقتة .

فالإنسان لا غني له عن القيد أو القانون فيجب أن يكون هذا القانون في خدمة الفضيلة و الأخلاق و صيانة نفس الإنسان لا أن تتسافل به في خدمة وتكريس الشهوات الحيوانية بلا أي حد لها.

فالبلاد نفسها التى تدَّعى مطلق الحرية بدأت بوضع قوانين وقيود حول هذه الحرية بما يحافظ على مصالحها و مبادئها .

فالإنسان يميل بفطرته وطبيعته إلى ستر نفسه ولهذا نحتاج إلى إصلاح فطرتنا وأنفسنا والرجوع إلى الإخلاق والقيم.. نحتاج الي تقديم النفس وإصلاح الخلل السائد فى المجتمعات الذى أصبح كالغمامة التى تمنع الإنسان عن رؤية الحقيقة.

فالعفة ليس قيدًا وإنما هي ستر وصيانة النفس وخدمة لها لتحقيق التوازن بين النفس والجسد.

أفليست هذه هى الحرية بحد ذاتها؟!