نضج الأيام‎

نعم كبرت....كبرت للحد الذي لم أعد أكترث للأشياء ،ولم أعد أعبأ لأية خسارة مهما كانت، كبرت و بت لا أبذل أي مجهود للحفاظ على احد، توقفت عن التبرير والشرح والتفسير، تركت سوء الفهم يأخذ مجراه دون أن أبالي، فمن أتى حاملًا بالشك، لا يستحق الرد عليه ،فمن أساء الظن، لا يجدر أن يكون أهلًا للثقة مجددًا، من أراد أن يرحل،فلا ينتظر مني سوى أن ألوح له بالوداع، ،فلا يظن أني بوسعي أن أشد على يده...فمن أجاد الصمت بإتقان، يمكنه أن يجيد الإفلات ،كبرت لدرجة الذي جعلتني أؤمن أن الخذلان قد يحدث ،وأن هزيمتك قد تأتي من أقرب الأماكن التى كنت تظنها أكثر أمانًا، بات كل شيء بالنسبة لي متوقعًا ،فلا تنتظر ردة فعلي المعهودة، لأني كبرت وأدركت موخرا أن إحدى علامات النضج :أن تعتنق مذهب أن أحدهم قد يتركك في منتصف الطريق، وعليك أن تكمل سيرك إلي أن تصل، حتي وإن كنت ستصل وحيدًا.

كبرت وأصبح بإمكاني أن استبدل أحدهم بكتاب ،فأبدا رحلتي مع أبطال الرواية، وانتقل معهم عبر الأزمنة ،وأن أعيش أحداثها بدلا من أن استسلم لواقعي ، وألقي نفسي بداومة الفكر . كبرت وصار بإمكاني أن أسافر، و أترك الأماكن حتى لاتذكرني بوجودهم، كبرت و غدا فنجان القهوة قادرًا على تعديل مزاجي الذي يسعى البعض بتعكير صفوه بين الحين والآخر . كبرت وصار الاكتفاء مذهبي بالحياة، والاستغناء أصبح الديانة التى اعتنقها، كبرت ثم كبرت إلي أن أدركت أن الحياة أجمل بكثير عندما تخلو من البشر،لأننا حينها نعي جيدا قيمة أنفسنا، و قدرتنا على العيش دونهم.

هي الخطوة التي نأخذها بعد تجارب حياتية كثيرة و متنوعة ،إلى أن نصل فى النهاية إلي نتيجة واحدة : أن البشر جميعهم فترات في حياة بعضهم البعض ،وعلينا ألا نأخذ أحدهم على مبدأ الأبدية ،لأنهم سيرحلون يوما ما عاجلا أم آجلا

فالنضج لم يأت بعدد السنين، إنما بالمواقف التي مضت ،ونالت منا الكتير ،ونحتت أثرها بداخلنا ،حتي لم يعد الزمان قادرًا على محيها .