|
...
Hespress
Hespress
2 weeks ago

مسارات مغاربة بمونتريال .. محمد بوخو يضع التغذية في قوالب إنسانية

مسارات مغاربة بمونتريال .. محمد بوخو يضع التغذية في قوالب إنسانية

تلوح تجربة محمد أمين بوخو ملهمة على مستوى شحذ الطموحات في المغرب وخارجه، وتستدعي الانتباه صوب تمكن الرجل، في فترة زمنية قصيرة نسبيا، في تعديل توجهاته وتنمية قدراته حتى يساير الإيقاع على مستوى 3 بلدان منتشرة على عدد مماثل من القارات، مع ما يعنيه ذلك من تباين في الثقافات الخاصة بكل فضاء استقرار على حدة.

وصل بوخو إلى نصف العقد الثاني من فترة استقراره بالديار الكندية، ويفخر في هذه التجربة باشتغاله مع متدخلين خبراء في التخفيف عن الأشخاص دون مأوى في مدينة مونتريال، واستحضار صلاحياته في مجال إطعام هذه الشريحة، بالاستناد إلى خبرته في الطبخ، كي يضع لمسات مغربية على الأطباق التي توزعها مؤسسة راكمت قرابة قرن في هذا المضمار.

في الإقامة البلجيكية

ينحدر محمد أمين بوخو من مدينة الرباط، وفي العاصمة المغربية رأى النور وتدرج في التعلم بكيفية يرى أنها لا تتوفر على ما يميزها عن بقية أبناء جيله، وبعدما أنهى المرحلة الدراسية الثانوية وحصل على شهادة الباكالوريا مال محمد إلى الاشتغال في ميدان الفندقة وخدمات الإطعام، معتبرا أن هذا المجال ملائم لقدراته ومساير لطموحاته.

التحق بوخو كنادل بإقامة السفير البلجيكي في الرباط، ثم حظي بالثقة كي يصير مشرفا على طاقم النادلين في الإقامة نفسها، وبعد وقت قصير أضحى حاملا مرتبة ‘‘كبير الخدم’’ لدى المسؤول الأول عن الدبلوماسية البلجيكية في المغرب، مثبتا القدرة على تدبير المهام طيلة 8 سنوات لاحقة؛ ما دفع السفير ذاته يطلب اصطحابه إلى وجهته التالية في العاصمة التركية.

ويقول محمد عن هذه الطفرة المهنية: ‘‘غادرت الرباط نحو أنقرة، كما أن دوري لم يعد مرتبطا بما هو موكول إلى Maître d’hôtel، إذ انتقلت إلى الاشتغال في الطبخ، ثم صرت أضع تصورات لحفلات الاستقبال مع الإشراف على التنفيذ بدقة، وأسست إطارا مهنيا موازيا يتيح تقديم الخدمات نفسها لبعثات دبلوماسية أخرى في تركيا، فكانت التجربة جيدة على جميع الأصعدة”.

التخطيط 5 سنوات

قفل محمد بوخو من تركيا إلى المغرب، وأقبل مرة أخرى على العمل في إقامة السفير البلجيكي بالرباط؛ لكن هذه التجربة الجديدة لم تدم إلا سنة واحدة، وبعدها ارتأى تغيير الوجهة ليصير مقيما بصفة دائمة في مدينة مونتريال بكيبيك الكندية، مراهنا على استثمار مهاراته المهنية في شق آفاق بديلة له ولأسرته في هذه البلاد الأمريكية الشمالية.

وعن هذا الانتقال يورد محمد أمين: ‘’كنت قد اتفقت مع زوجتي على تقديم طلب الهجرة إلى السلطات المختصة في كندا، وجاء القرار بناء على الرغبة في الانفتاح على تجربة هجرة مغايرة عقب الانتقال إلى تركيا، وقد أخذنا وقتا كافيا من اجل التفكير في هذه الخطوة؛ لأن دراسة الملف احتاجت 5 سنوات قبل توصلنا برد إيجابي”.

“صحيح أن الأسرة بكاملها حزمت حقائبها في الرباط وهي مستعدة للتأقلم مع الإيقاع الكيبيكي، سواء ما يتعلق بالمتغيرات الجوية الشتوية الحادة أو الخصوصيات الاجتماعية المحلية؛ لكن التطبيق على أرض الواقع احتاج إلى فترة زمنية أكثر من المتوقع.. والأهم هو أن النتائج النهائية نعتبرها ممتازة’’، يضيف محمد بوخو.

مواكبة التيارات المهنية

راهن محمد أمين بوخو على إيجاد إيقاع وظيفي يلائم طموحاته في كندا، مع وعي تام بأن المكانة التي بناها بين المغرب وتركيا لم يعد لها وجود بمجرد وصوله إلى أمريكا الشمالية. وهذا ما جعل الوافد الجديد يبقى منفتحا على فرص العمل المتاحة له دون وضع تصميم واضح المعالم لما يجب أن يلتزم به في السعي نحو توفير الموارد المالية.

ويستعيد محمد ما مر به منذ وصوله إلى مونتريال في 2010 حين يقول: ‘‘جاءت بداية الاشتغالات من موقع طباخ في مطاعم عديدة، وصولا إلى مطعم معروف ساعدني على تقوية الروابط الاجتماعية مع الناس وإنشاء شبكة علاقات، وبعدها التحقت بالجامعة لتقوية ميلي إلى مجال التسيير”.

إلى جانب التقدم في الشق الأكاديمي من خلال الإقبال على التعليم العالي في مونتريال، حصل محمد أمين بوخو على فرصة للعمل في مؤسسة حكومية. وبذلك، صار حضوره الميداني متصلا بتسيير طاقم من 17 فردا، يتشكل من عناصر متنوعة المهارات لتضمن أداء خدمات ممتدة من النقل إلى التخزين والطبخ.

بين المهني والإنساني

يشتغل المنتمي إلى صف الجالية المغربية بكبيك مع طواقم ‘’Old brewery’’، وهي تجربة كانت قد انطلقت في مونتريال في سنة 1926 من خلال مبادرة تقدم الحساء للأشخاص دون مأوى، ثم تطور الأداء حتى صار يكتسي طابعا رسميا؛ ما يجعل محمد أمين بوخو يشرف، في الوقت الحالي، على خدمات الإيواء والإطعام في 3 مراكز بالمدينة ذاتها.

وعن ذلك، يورد بوخو: ‘‘المراكز ذات الصلة بعملي تتوزع على مناطق متفرقة في مونتريال، ويستفيد منها رجال ونساء مقيمون بكيفية دائمة، إضافة إلى عدد آخر من الأشخاص دون مأوى من العابرين للتزود بالمأكل والمشرب. والهدف الأساسي يتمثل في المشاركة في تخفيف محن الشريحة المستهدفة بمجموعة من التدخلات اليومية؛ أبرزها تقديم وجبات إطعام على مدار اليوم”.

ومن موقع رئيس مصلحة، يعمد الوافد على كندا من الرباط على استحضار الطبخ المغربي في قائمة المأكولات التي يتم تجهيزها للمرتفقين، حتى صار من المألوف أن يجري توزيع أطباق كسكس أو أخرى للدجاج بالزيتون والليمون أو طاجين اللحم بالبرقوق وحتى ‘’البسطيلة’‘، شريطة أن يتم ذلك وفق توليفة تجعل الأكلات المغربية متوقعة وسط تثمين لوجبات الطبخ العالمي.

عين على المستقبل

يبقى محمد أمين بوخو حاملا مجموعة من المشاريع التي يريد تنفيذها في المستقبل، وعلى الرغم من تنوع التصورات الخاصة بكل فكرة على حدة فإن الخيط الناظم لها يتمثل في البقاء ملاصقة لمجال الطبخ، من جهة، وإمكانية الانطلاق في الأجرأة على التراب الكندي قبل مد الممارسة، في مرحلة موالية للتطور، نحو المملكة المغربية.

ويفسر الخبير في الطبخ والتسيير قائلا: ‘‘نعيش ثورات تكنولوجية متتالية منذ عقود. وفي الفترة الماضية، جرى تخطي البروز المعتاد للرقمنة، إذ وصلنا حاليا إلى طور الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في ميادين شتى. ولا أخال الصناعات الغذائية عموما، والطبخ على سبيل التخصيص، بمنأى عن هذه التطورات التي تأخذ في النمو ساعة بعد أخرى”.

علاقة بهذا الطموح، يعلن محمد أمين بوخو أنه يبتغي، في المستقبل القريب، توجيه تركيزه المهني نحو الاستثمار في آلات قابلة للبرمجة من أجل صناعة المأكولات بكميات كبيرة، على أن يتم ذلك من خلال الاستعانة ببنيات إنتاجية ضخمة، ثم الاتجاه صوب عمليات التوزيع الناجع على المطاعم، حسب خصوصية أداء كل فاعل على حدة.

هجرات على المقاسات

يرى مجرب العيش في تركيا سابقا، على ضوء ما يفوق 13 سنة من الاستقرار في كيبيك، أن المقبلين على مغادرة الوطن الأم للبحث عن آفاق أوسع في الخارج يبقون مدعوين، قبل كل شيء، إلى تحديد القدرات الشخصية التي يتوفرون عليها والإلمام بجميع المهارات التي يحوزونها، من أجل الانطلاق بنجاعة في بيئة العيش الجديدة.

ويشدد بوخو، في السياق نفسه، على أن الوجود في أية منطقة بكندا لا ينبغي النظر إليه من لدن المهاجرين الجدد كمرادف للتموقع في فضاء يتساهل مع الناس، أو اعتبار ذلك بمثابة انتقال إلى بيئة مجتمعية ليست لديها متطلبات صارمة في تحقيق النجاحات المطلوبة، معتبرا أن شخصية الفرد تبقى حاسمة أيضا في هذا النسق الجماعي”.

“على كل مهاجر أن يحرص على عيش التجربة بطريقته الخاصة، وأن يسير شؤونه كيفما شاء حتى يضبط الإيقاع وفق ما يلائمه، واليقين أن العثرات التي تبرز بين الفينة والأخرى تبقي المرء أكثر مناعة في المستقبل. لذلك يجب عدم النظر إلى تفاصيل التجارب التي يقوم بها الآخرون؛ لأنها مشخصنة، وما يلائم أحدا ما لا ينبغي أن يكون، بالضرورة، ملائما للجميع’’، يختم محمد أمين بوخو.

The post مسارات مغاربة بمونتريال .. محمد بوخو يضع التغذية في قوالب إنسانية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.