‏كيف لقمر روحك أن يبزغ من الظُلمات ؟
وأنت تسكن في ظلالهم ..
وتدير وجهك لشمس الله..!

أقرب مُصطلح للمقصد الألهي لمعنى الإيمان هو مُصطلح الوعي ، لكن للأسف أُفرغت كلمة الإيمان من ما تعنيه، وأُفرغت من جوهرها الحقيقي ليصبح لها معنى آخَر يناسب مُراد المُتسلطين وأصحاب العقائد.
‏من يعرف حقيقة الله ، سيفهم إن الإيمان هو الوعي ، هو الوعي الإدراكي والشعوري الذاتي الذي لا يتجلى إلا بالإستشراق الذاتي ، ولا يمكن ان يُعلمه معلم أو كتاب أو مدرسة، ومن يعرف حقيقة الله ، سيعرف حقيقة نفسه ، ومن يعرف حقيقة نفسه ستكون أفعاله غير خاضعة لرغبة أو إنفعال أو تفكير أو تردد أو حسابات منطقية بل تكون خاضعة لشيء أعمق من البصيرة وأبعد من الثقة، شيء كأنه القدر المنير ...
عاش بحّار طاعن في السن يدعى هول في زمن ازدهار السفن الشراعية، كان بحاراً اسطوريا ًومشهوراً وموقراً بوصفه البحّار الأكثر نجاحاً في أيامه.
كان دؤوباً في عمله ويمكث طويلاً في البحر وكان الأقل خسارة للرجال في اثناء صيد المزيد من السمك من اي بحّار اخر، كان هول كثيراً ما يُسأل عن قدرته غير العادية والخارقة في البقاء هذه المُدد الطويلة في البحر من غير معدات ملاحية، فكان يجيب ببساطة : كل ما أفعله هو أن أرتقي ظهر المركب وأُصغي الى الريح والأشرعة، أفهم إنحدار البحر وأنظر الى النجوم، ومن ثم أُقرر وجهتي.
لكن الأحوال تغيرت في البلاد، فقد نشطت كبريات شركات التأمين على السفن وقال أربابها أنهم لن يقدموا تأميناً للسفن ان لم يكن القباطنة قد تلقوا تدريباً مناسباً وموثوقاً على السفن والإبحار بها، كانوا على درجة شديدة من التردد في إخبار هول الذي لم يتلق تعليماً رسمياً معترفاً به،. لكن دهشتهم كانت كبيرة حين قال :إن كان لابد من هذا التدريب فلا بأس، سأذهب لتلقي المناهج الملاحّية.
انظم هول الى التدريبات وتخرّج بدرجة عالية،إستبد به الحنين الى البحر، وما أن وصل اليه حتى شرع في رحلة طويلة، وفي يوم عودته إجتمعت المدينة كلها لمقابلته وليسأله اهلها :هول كيف كانت رحلتك مع كل تلك الخرائط والمعادلات؟، اعتدل هول في كرسيه ثم قال :الأمر في غاية البساطة، كنت حين أُريد معرفة موقعي في البحر أذهب الى قمرة القيادة أنشر الخرائط والجداول، وأُجري المعادلات الحسابيّة وأُحدد مساري بدقة علمية ثم أرتقي الى ظهر المركب وأُصغي الى الريح والأشرعة، وأعي إنحدار البحر، وأنظر الى النجوم ثم أعود الى قُمرتي لأصحّح الأخطاء التي أرتكبتها في اجراء المعادلات!.
حين سمعت هذا القول منه دعوتُ الله (سبحانه) قائلاً :الهي اُريد أن اعرفك بهذه الطريقة... أُريد ان أرتقي الى ظهر المركب وأنصت الى صوتك في قلبي، متأملاً في كلمتك السرمدية، ثم أنزل الى قُمرتي وأجري تعديلاتي على خططي العقلية والعلمية المرهفة التي رسمتها في رأسي.

عليك ان تجتهد لتجد المعنى الإلهي بداخلك
إياك إياك أن تأخذه من أفواه الأخرين
لأنك إما أن تخسر الله أو أن تخسر نفسك .